شرح كلمة
مدينة بابل
(أش 13: 19 و 21: 9 و 48: 20).
1) اسم بابل:
جاء اسم بابل من لفظ "باب ايلو" من اللغة الاكدية ومعناه "باب الله" ونفس اللفظ ترجمة الكلمة السومرية "كادنجرا" وتظهر أهمية بابل في العصور القديمة من ورود ذكرها في الكتاب المقدس أكثر من مائتي مرة. وهو اسم العاصمة العظيمة لمملكة بابل القديمة "شنعار" المذكورة في تك 10: 10 و 14: 1 والأسماء الأخرى التي أطلقت على المدينة كثيرة، منها "تندير" مركز الحياة و "ايريدوكي" المدينة الطيبة آي الفردوس، إذ كان البابليون يعتقدون أن جنة عدن في بقعتها و "سو-انا" اليد العالية، ويظن أن المعنى "ذات الأسوار العالية".
2) تاريخ تأسيس بابل:
جاء في تك 10: 9 أن مؤسس "بابلي" هو "نمرود"على أن البابليين ينسبونها إلى "مردوخ" إلههم الأكبر وقد بناها مع "ارك واكد وكلنة" وهيكلها الشهير. ولا يعرف بالضبط تاريخ تأسيسها ولكنه من المؤكد أنه يرجع إلى الأزمنة البدائية (يذكر رجال الحفريات أن الطبقة السفلى لبابل ترجع إلى نحو 40000 سنة ق. م.).
وصار إلههم الأعظم "مردوخ" رأس مجموعة الآلهة البابلية. بسبب نفوذ بابل كعاصمة، إذ كانت محجّ عبادته وبسبب مركز برج بابل العظيم الذي كانوا يتناقلون عنه أموراً عديدة (انظر "برج بابل").
وقد بلغت بابل ذروة مجدها في القرن الثامن عشر قبل الميلاد في عصر حامورابي المشترع العظيم من الأسرة البابيلة الأولى، وكذلك في القرن السادس قبل الميلاد في عصر الملك نبوخذ نصر في الأسرة الكلدانية.
3) وصف أسوار بابل وبوّاباتها:
وصف "هيرودتس" المدينة فبيّن أنها تقع في سهل عظيم خصيب مربع الشكل ضلعه نحو 14 ميلاً فيكون محيطها نحو 56 ميلاً ومساحتها نحو 196 ميلاً مربعاً.وبما أن هذه المساحة هائلة وبما أن أثار الأسوار لم يعثر عليها في بعض الأماكن فقد تطرق الشك إلى هذا التقدير.
ومما ذكره "هيرودتس" أن المدينة كانت محاطة بخندق عميق عريض مملوء بالماء. ووراء ذلك سور علوه نحو 300 قدم وعرضه نحو 87 قدماً. ومع أن بابل بقيت محجراً يقتلع منه البناؤون مواد البناء لمدة ألفي سنة، إلا أنه لا زال من الغريب أن تختفي كمية الطوب الهائلة هذه بدون أن يترك أي أثر يدل عليها.
4) مركز بابل وأقسامها وشوارعها وهيكلها:
كانت المدينة مبنية على جانبي نهر الفرات. وفي نقطة تقابل السور بالنهر كان ينثني مسافة على الجانبين ليكون حاجزاً تعلوه الاستحكامات. وكانت بيوتها ترتفع إلى دورين أو ثلاثة أو أربعة. وشوارعها كانت مستقيمة ويظهر أنها كانت تتقاطع في زوايا قائمة كشوارع يصل إلى النهر بوابة نحاسية كبيرة تحميه. وفي داخل السور الخارجي بنوا سوراً آخر لا يقل عنه قوة إلا أنه يحصر مساحة أقل. وكانت الأرض بين السورين تستخدم كمزرعة للفواكه أو الخضراوات أو كانت تستخدم كمنتزهات. وكل قسم من أقسام المدينة كان يحوي بنائين عظيمين: احدهما قصر الملك تحيط به استحكامات قوية والآخر هيكل "بيل" وهو بناء له بوابات نحاسية ويمتد فرسخين لكل جانب (الفرسخ 8/1 ميل أي نحو 220 ياردة).
داخل هذا المزار المقدس برج صلد في مربع ضلعه نحو فرسخ تعلوه أبراج مدرّجة تصل إلى ثمانية. وحول الأبراج مصاعد من التراب في نقطة الوسط منها مسطح يرتاح فيه الصاعد. وعلى أعلى برج منها خلوة (حجرة) كبيرة فيها مقعد وطاولة مذهبة. ليس فيها تمثال ولا يبيت فيها أحد، إلا امرأة من الشعب تختارها الآلهة. وفي خلوة أخرى سفلية تجد تمثالاً ذهبياً "لبيل" جالساً وكان كرسيه وموطئ قدميه أيضاً من الذهب وبقربه طاولة مذهّبة. وكان وزن المعدن الثمين في كل هذه نحو 800 وزنة. إن إصلاحات ومنشآت نبوخذ نصر الذي كان يتمشى على سطح قصره وانتفخ بالكبرياء فقال "أليست هي بابل العظيمة التي بنيتها" (دانيال 4: 30)هذه الإصلاحات كانت حقاً ضخمة وبديعة. والسجل الذي تركه هذا الملك يشير إلىهذه العظمة, كما ويثبتها ما كتبه المؤرخون اليونان بعد ذلك.
9) القوَّة الحربية لبابل:
كانت هذه المملكة مؤلفة من أمم وشعوب مختلفة من ساميين وطورانيين وكوشيين وغيرهم. أما أصحاب السلطة فكانوا الساميين. واشتهر شعب هذه المملكة بشدة اليأس والإقدام. وفي أيام نبوخذ نصر هاجموا جميع البلدان الواقعة مابين دجلة والنيل. وكان صدى صليل سيوفهم يملأ أعدائهم رعباً. وأما أصوات مركباتهم فكانت كرعد قاصف (1ر 4: 29وحز 26: 10).وقلما حاقت بهم هزيمة أو أخفقوا في غزوة من غزواتهم. واشتهرت فرسانهم بالبسالة والنجدة. وقد جاء في النبي حبقوق 1: 8 شيء من وصف سرعة خيولهم وحدتها. وامتازت جنودهم بجودة رمي السهام وطعن الرماح وضرب السيوف - فحيثما توجهوا توجه معهم الظفر, وحيثما ساروا, سار معهم الرعب الذي امتلأت منه قلوب أعدائهم. وهابتهم من أجله الأمم المجاورة, ولاسيما الشعب اليهودي الذي كان يرى شرب كأس الحمام أهون من ملاقاة تلك الجيوش الجرارة. فكانوا يمثلون بالقتلى ويرتكبون في معاملة المسبيين والأسرى ما لم يسبقهم أحد إلى شرّ منه أو إلى مثله سوى الأشوريين.
10) صناعة بابل:
واشتهرت هذه الأمة بجودة الصناعة, كحفر الحجارة الثمينة ورسم الصور على الصخور والآجر (حز 23: 14). وقد وجد في آثارهم آنية من زجاج وخزف على هيئات مختلفة بالغة الجمال. وأما منسوجات بابل فكانت على غاية الإتقان منذ القدم ومما يثبت ذلك ذكر رداء شنعاري نفيس في سفر يشوع 7: 21 وقد أتقنوا صنع الأقمشة حتى اشتهرت بضاعتهمهذه عند الرومانيين الذين كانوا يتفاخرون بها ويشترونها بأثمان غالية. قيل أنه كان معلّقاً في مقصورة الإمبراطور نيرون نسيج بابلي موشّى بصور تيلغ قيمته 32300 جنيه انكليزي. وكاموا, فضلاً عن أحكام نسجها, يلونونها بألوان غاية في الحسن والإبداع. ويرسمون عليها الأصداف والحيوانات من مفترسة وغير مفترسة. وبالاختصار فقد كانت أقمشتهم فائقة الحسن والجمال, فكانت الأمم المعاصرة لهم ترغب فيها كل الرغبة كما هو الحال في أيامنا الحاضرة بالنظر إلى جودة الأقمشة الشرقية كالبسط الكردية والفارسية, فإن منها ما لا تقلّ قيمته عمّا كانت تصنعه في بابل. ولا عجب إذا حذا أهل المشرق في هذه الصناعة حذو أسلافهم البابليين, وانتقل إليهم ما كان فيهم من الدراية والحذق والمهارة.
11) لباس أهل بابل:
وأما لباس الطبقات العليا فكان قميصاً من الكتان إلى القدمين, وفوقه حلة من الصوف - وكانت أحذيتهم خفّا نعله من الخشب. وأما شعورهم فكانوا يلفونها, وبعد دهنها بجميع أنواع الطيب والعطر, بعمامة بيضاء. وأما العامة فكان لباسهم رداء واحداً فقط.
12) علوم أهل بابل:
ومن جملة العلوم التي امتاز أهل هذه المملكة علم الفلك ولهم فيه أبحاث دقيقة. فإنهم كانوا يعينون أوقات الخسوف والكسوف قبل حلولها. وقد وصف "هيرودس" خمس كسوفات ذكرها أولئك الفلكيون القدماء. ومما يستحق الاعتبار في هذا الفن معرفتهم السيارات الخمس, ووضعهم جدولاً للثوابت (النجوم) وتعيينهم الأبراج, حتى أنهم توصلوا إلى تحقيق طول السنة الشمسية, واخترعوا المزولة أيضاً. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس الكتاب المقدس والأقسام الأخرى). ولا ينكر عليهم إلاّ خلطهم علم الهيئة (الفلك) بعلم التنجيم. فكان علماؤهم عرّافين ومنجمين وسحرة معاً. وكان البابليون يكتبون الخط المسماري علو لوحات فخارية, وكانت كتابتهم تشمل أناشيد ينية وشرائع وبعض القصص عن الخليقة أو الطوفان مثلاً, ولذلك شملت كتاباتهم شيئاً من التاريخ ومن علوم الفلك والتنجيم وشملت بعض الخطابات والرسائل والوثائق التجارية.
13) ثروة أهل بابل وأخلاقهم:
كانت بابل, فضلاً عن شهرتها العلمية, مدينة ذات تجارة واسعة براً وبحراً. فكان تجارها يجلبون من المدن المجاورة لهم, الذهب والعاج والقرمز واللؤلؤ, وهذا ما كانوا يجلبونه من خليج العجم. وهكذا كثرت ثروتهم وزاد مجدهم وغناهم, فصارت نساؤهم تتزين بجميع أنواع الحلي والمجوهرات, وعاشوا بالتنعم والترفه.
على أن كثرة تنعمهم عادت عليهم بالدمار والخراب. وحطّ التأنق في المعيشة من منزلتهم مادياً وأدبياً. فصارت بناتهم نحيفات ضعيفات البنية. وأخذ الجهل من البابليين كل مأخذ فأدمنوا شرب المسكرات فزادوا تعجرفاً وتكبراً, وكثر الفجور بين سكان هذه المدينة حتى كانت العذارى تباع في الأسواق, والنساء يرتكبن الفحشاء, خالعات العذار, سدّاً لعوزهن, بعد أن كنَّ على أعظم جانب من الغنى واليسر. وكن يستعملن من ضروب الحيل وأنواع التدليس ما يفوق الوصف لإغراء الرجال, وإيقاعهم في اشراكهن إرواء لميولهن الفاسدة.
14) آلهة بابل واضمحلال مملكتها:
كان حكام هذه الدولة من النوع المطلق. وديانتها وثنية كما سبق, ومن آلهتهم بيل- ونبو- ومردوخ. وصنعوا لها أصناماً عديدة وشادوا لها هياكل على غاية من الفخامة كهيكل بيل وبرج نمرود وغيرهما من الهياكل المزخرفة التي أغاظوا بها الله تعالى. فغضب عليهم وسلّمهم إلى أيدي غيرهم من الأمم الذين تغلبوا عليهم ودمّروا بلادهم من الأمم الذين تغلبوا عليهم ودمّروا بلادهم وسبوا عيالهم.
وحالتها الحاضرة مطابقة لما قاله الله بفم أنبيائه القديسين, إذ يقول: "1 مر على مياهها فتنشف أنهرها فيدخلها العدو على حين غفلة". وقد تم كلامه تعالى في بابل العظيمة حين دخلها كورش الفارسي في سنة 539 ق.م. وذكر هيرودتس أن العدو دخل المدينة وأكثر أهلها غافلون فلم يشعروا بالخطر الآتي عليهم, فنهب الأعداء جميع أمتعتهم وأموالهم إذ لم تكن لهم فرصة أن يخفوا منها شيئاً. فجاء ذلك طبقاً لما قال ارميا النبي (50: 37) وأرسل سيفاً على خزائنها فتنهب. وقد وردت نبوات أخرى بالقضاء على بابل مثل 1 ش 13 و14: 1-23 و21: 1-10 و46: 1 و2 و47: 1- 3 وارميا ص 50 وص 51 ورؤ 18: 10 انظر أيضاً تحت كلمات "كلديا" و "نبو" و "نبوخذ نصر".
سامحني يا يسوع انا عبدك الخاطي علاءءء